نعم، كنتُ ذلك المعلّم الّذي يقضي مددًا في تمحيص أوراق الطلّاب بحثًا عن علامات استخدام الذكاء الاصطناعيّ. لم تكن مددًا طويلة لكنّني كنت أُجهد نفسي وأنا أقارن أساليب الكتابة بين الواجبات كأنّني محقّق أدبيّ. لكلّ طالب عندي ملفّ فيه أسلوبه التعبيريّ ومخزونه من المفردات، وكنتُ أضيء في لحظات انتصار تلك المقاطع الّتي تبدو “صقيلة للغاية”، أو “ذات بنية مثيرة للشكّ”. لكن حدث ما جعلني أشكّك في كلّ ما يتعلّق بنهجي هذا.
قدّم أحد الطلّاب مقالتين في أسبوع واحد. كانت الأولى مكتوبة بشكل جميل لكنّها بدت “غريبة” بطريقة ما أثارت كلّ غرائز كشف الذكاء الاصطناعيّ لديّ. أمّا الثانية فكانت أكثر فوضى لكنّها احتوت على رؤية أصيلة رائعة حول مسرحيّة إيزيس لتوفيق الحكيم لم أصادفها من قبل. أخضعتُ كلتيهما لكاشف الذكاء الاصطناعيّ. تبيّن أنّ المقالة “المشبوهة” كتبها إنسان. أمّا المقالة ذات الرؤية العميقة؟ فقد ساعد الذكاء الاصطناعيّ في عصف ذهنيّ للأفكار الرئيسة فيها.
إلى متى ندور جميعًا في حلقة مفرغة؟
الأمر في كشف الذكاء الاصطناعيّ أصبح يشبه لعبة “ضرب الخُلد”، الّتي تحمل فيها مطرقة وتضرب الخلد الّذي يفاجئك من الجحر الّذي يخرج منه، لكن تزداد الخلدان ذكاءً، وعددًا كلّ أسبوع. الأدوات الّتي نستخدمها لاكتشاف كتابة الذكاء الاصطناعيّ مُدرّبة على الأنماط ذاتها الّتي تحاول اكتشافها. إنّها أشبه بمحاولة تعيين مكان حرباء من خلال البحث عن أيّ لون تعتقد أنّه ليس من المفترض أن تكون عليه.
ولنكن صادقين هنا، فنحن لا نحقّق انتصارات عظيمة في سباق التسلّح هذا. في كلّ مرّة يعلن فيها شخص ما عن كاشف ذكاء اصطناعيّ لا يمكن اختراقه، يجد شخص آخر طريقة لخداعه بعد ثلاثة أيّام تقريبًا.
ما ثمن كلّ هذا الشكّ؟
عندما يسيطر علينا هوسنا بكشف استخدام الذكاء الاصطناعيّ، لا نضيّع وقتنا فحسب، بل نلحق ضررًا فعليًّا ببيئة التعلّم. فكّروا في الأمر على هذا النحو: الّذي نقوله لطلبتنا هنا هو: نحن نثق بكم، حتّى قبل أن يبدؤوا في الكتابة. هذا ليس أساسًا لعلاقة تعليميّة صحّيّة.
لكنّ الأهمّ من ذلك، هو أنّنا ننسى مربط الفرس كلّيًّا. هدف التعليم ليس ضمان عدم استخدام الطلّاب للذكاء الاصطناعيّ، بل مساعدتهم على التفكير الناقد، وتطوير أصواتهم، وتعليمهم كيف يكونون متعلّمين مدى الحياة.
ماذا لو كنّا نطرح السؤال الخاطئ؟
بدلًا من “كيف أكشف الطلّاب الّذين يستخدمون الذكاء الاصطناعيّ؟” ماذا لو سألت “كيف أصمّم واجبات تكون ملهمة مفيدة سواء شارك الذكاء الاصطناعيّ فيها أم لا؟”
إليكم كيف يبدو ذلك:
- اطلب من الطلّاب ربط مادّة المقرّر بتجاربهم الشخصيّة
- اطلب منهم توثيق عمليّة تفكيرهم، لا استنتاجاتهم فقط
- ركّز على المناقشات الصفّيّة حيث تتطوّر الأفكار وهي بنت لحظتها
- ابتكر مشاريع تتطلّب تغذية راجعة وإعادة كتابة متكرّرة
ما لا تتوقّعه بخصوص الانتحال
هل تذكر عندما كان المعلّمون قلقين بشأن ما ينسخه الطلّاب من ويكيبيديا أو موضوع؟ ومع ذلك، صمد التعليم بطريقة ما. تعلّم الطلّاب الاستشهاد بالمصادر، وتقييم المعلومات، والبناء على أفكار الآخرين. الذكاء الاصطناعيّ ليس سوى فصل جديد في قصّة قديمة جدًّا.
حقيقة طريفة: يقال إنّ سقراط كان يكره الكتابة ويراها مفسدة لذاكرة الطلبة، لأنّ الطلّاب لن يضطرّوا إلى حفظ كلّ شيء بسببها. وسأحرق لك الأحداث: ليس هذا ما حدث.
لماذا قد يكون طلّابك أذكى ممّا تعتقد؟
الشيء الأكثر إثارة للاهتمام الّذي لاحظته هو أنّ الطلّاب غالبًا ما يستخدمون الذكاء الاصطناعيّ بطرق متطوّرة بشكل مدهش – ليس لتجنّب التفكير، بل للتفكير بشكل أفضل. يستخدمونه للعصف الذهنيّ، وللخروج من المآزق، ولرؤية وجهات نظر مختلفة. تمامًا كما نستخدم الآلات الحاسبة في حصص الرياضيّات ليس لتجنّب فهم الرياضيّات، بل للتركيز على المفاهيم الأعلى مستوى.
الفكرة الجذريّة الّتي قد تنجح
ماذا لو – واستمع إليّ جيّدًا هنا – توقّفنا عن معاملة الذكاء الاصطناعيّ كأنّه نوع من الكريبتونايت الّذي يشلّ الأكاديميا وبدأنا في معاملته مثل أيّ أداة أخرى؟ ماذا لو علّمنا الطلّاب متى وكيف يستخدمونه بفاعليّة، ومتى يعتمدون على قدراتهم الذاتيّة؟
لأنّ المفاجأة الحقيقيّة هي: بعد عشر سنين، قد تكون معرفة كيفيّة العمل مع الذكاء الاصطناعيّ مهارة أساسيّة مثل معرفة كيفيّة استخدام محرّكات البحث اليوم. من خلال تركيز كلّ طاقتنا على الكشف والوقاية، قد نفشل في الواقع في إعداد الطلّاب للعالم الّذي سيتخرّجون إليه.
لذا ربّما حان الوقت للتوقّف عن السهر بسبب كشف الذكاء الاصطناعيّ والبدء في إجراء محادثات صادقة مع طلّابنا حول كيفيّة التعلّم والتفكير في عالم يوجد فيه الذكاء الاصطناعيّ. بعد كلّ شيء، الهدف من التعليم ليس منع الغشّ، بل هو تعزيز التعلّم، وكثير من أنواع التفكير قد تعدّ غشًّا.
وبيني وبينكم، لقد زادت مدد نومي منذ وصلت إلى هذه القناعة.
المقال مفيد لي كمعلّمة